روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | وَذَرِ الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > وَذَرِ الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً


  وَذَرِ الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً
     عدد مرات المشاهدة: 1816        عدد مرات الإرسال: 0

شاهد بعض ملوك فارس إجتماعاً لبعض المتصوفة، وقد أُحضر فيه من الصور الجميلة والأصوات المطربة ما أُحضر، فقال الملك لشيخهم: يا شيخ! إن كان هذا هو طريق الجنَّة، فأين طريق النار؟.

لقد عكف فِئام من المتصوفة على سماع الْمُكاء والتصدية، والمصاحَب بالدفّ والشبابة والمزمار وضرب الأوتار، وإنما حدث هذا السماع بعد القرون المفضَّلة، فلما تأخر الزمان وفترت العزائم عن السماع المشروع مما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، استعاضوا عنه بالسماع المحدَث من العقائد والأشعار، والنظر إلى الصور المحرَّمة، وتمادوا في ذلك، حتى آلَ أمرهم إلى إنشاد قصائد الحلول والإتحاد ونحوها من البدع المكفِّرة.

ومما إستجدَّ في هذا العصر ما يسمى بالأغاني الدينية عند أهل الطرب والمجون، فبينما المغني يتكسّر بلهوه، ويترنَّم بمجونه على المسارح، إذا هو بعينه ينشد التواشيح الدينية، ويتواجد في الزوايا والموالد، وبآلات العزف ولحون الغناء نفسها!

وأضحت الموالد والمشاهد أوكاراً للسماع المحدث وغناء المجون، وإختلاط النساء بالرجال ومقارفة الفواحش.. ومن ذلك: ما سطّره المؤرخ الجبرتي في شأن مشهد عبد الوهاب العفيفي -ت 1172هـ- وما يحصل عنده من طرب وفحش فقال: ثم إنهم إبتدعوا له موسماً وعيداً في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد، ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وأرباب الملاهي والبغايا...ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلاً ونهاراً....

ومثال آخر: مشهد الإنبابي بمصر، فقد ذكر المؤرخون أن فيه من الفساد ما لا يوصف، حتى إنّ الناس وجدوا حول هذا المشهد أكثر من ألف جرة خمرٍ فارغةٍ، وأما ما حكي عن الزنى واللواط فكثير لا يحصى.

ومن أواخر هذه البلايا ما حصل في مولد أحمد البدوي بطنطا مصر آخر عام 1428هـ الذي مضى قريباً، من الشرك الصراح، والزعيق والصراخ، ورقص الرجال مع النساء مصحوباً بالمعازف والإختلاط والاحتضان.

ورحم الله الشيخ عبد الرحمن الوكيل القائل: وسلِ الآمِّين تلك الموالدَ عن عربدة الشيطان في باحاتها، وعن الإثم المهتوك في حاناتها، وعن حمم الشهوات التي تتفجر تحت سود ليلاتها، فما ينقضي في مصر أسبوعُ إلا وتحشد الصوفية أساطير شركها، وعبّاد أوثانها عند مقبرة يسبِّحون بحمد جيفتها، ويحتسون آثام الخمر والحشيش، والأجساد التي طرحها الإثم على الإثم فجوراً ومعصية....

لقد أنكر العلماء السابقون ما وقع عند المتصوفة في عصرهم من الرقص واللهو، والتقرّب إلى الله بذلك، فقد سئل الحلواني من علماء الحنفية عمّن سمّوا أنفسهم الصوفية، وإختصوا بنوع لِبسة، واشتغلوا باللهو والرقص وادّعوا لأنفسهم المنزلة. فقال: أفتروا على الله، أم بهم جنة؟!

وقال القرطبي في كتابه -الُمفهِم: وأما ما إبتدعته الصوفية في ذلك، فمن قبيل ما لا يُختلف في تحريمه، لكن النفوس الشّهوانية غلبت على كثيرٍ ممن يُنسب إلى الخير، حتى لقد ظهرتْ من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركاتٍ متطابقةٍ، وتقطيعاتٍ متلاحقةٍ، وإنتهى التواقحُ بقومٍ منهم إلى أن جعلوها من باب القُرَب وصالح الأعمال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة، وقول أهل المخْرَقة، والله المستعان.

فكيف لو أدرك أولئك العلماء صوفيةَ هذا العصر، والمولعين بما هو أشنع وأقبح من أنواع المجون والفحش؟!

ومع هذا التهتك والتفلُّت عن تحكيم الشرع واتِّباع السُّنَّة، إلا أن أولئك الصوفية أصحاب أمانٍ جامحةٍ ودعاوى عريضةٍ، فهم كما يرون أنفسهم أهل الذوق والوجد، وأرباب الصفا والحبّ، لكن هذه الدعاوى سرعان ما تتساقط وتزول عند أدنى إبتلاء أو إمتحان، غاية الدعوى مع غاية العجز، فأين الذوق وحبّ الله تعالى عند قومٍ نقضوا أعظم أسباب ذلك من الاتِّباع والجهاد في سبيل الله؟!

والتنصُّل عن الصراط المستقيم، والإنحلال من ربقة الاتِّباع هو ما تمليه النفوس الجاهلة والتي تركن إلى أهوائها، وتسترْوِح ملذاتها، وتأنف من التسليم والإنقياد لأحكام الدين، وذلك أن النفس فيها نوع من الكِبْر، فتحبّ أن تخرج من العبودية والاتِّباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله: ما ترك أحدٌ شيئاً من السُّنَّة إلا لكِبْر في نفسه.

وقال ابن عقيل: لما صعبت التكاليف على الجهال والطَّغَام، عَدَلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاعٍ وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم.

إن التصوف بشهادة بعض المعجبين به تفرّد بالتجويد في الموسيقى والغناء، فكانت مجالس الذكر الصوفي مدارس لتخريج المغنين، إذ إن الذكر عندهم يكون وَفْق أنغامٍ محددةٍ، وآلاتٍ موسيقيةٍ!

وسماع الصوفية بأصواته ولحونه له تأثيره على تلك النفوس، فهو يؤجج المشاعر ويحرك الوجدان، لكن بلا علمٍ ولا كتابٍ منيرٍ، ومعلومٌ أن النفوس فيها الشهوات كامنةٌ، ولكنها مقهورةٌ مقيدةٌ بقيود الأوامر، فإذا صادفها السماع أحياها وأطلقها من قيودها، وافتكّها من أسرها، وهذا أمر لا ينكره إلا أحد رجلين: إما غليظٌ كثيف الحجاب، وإما مكابرٌ، فمضرة هذا السماع على النفوس أعظم من مضرة حُمَيَّا الكؤوس.

وهذا السماع وما يتفرع عنه من إنشاد متهتك، وصراخ وتواجد، وتواشيح مبتدَعة، لا ينفكُّ عن تشهِّي النساء وأشباههنَّ، بل يتجاوزه إلى الإختلاط والعشق والعناق.

والمتأمل في العبادات الشرعية كالصلاة والصيام والإعتكاف والحج، يلحظ أن شأن هذه الشهوات ينافي تلك العبادات، ففي الصلاة مُنعت المرأة أن تؤمَّ الرجال، وأن تقف في صفهم، بل تتأخر عن صفوف الرجال، وجعل مرورها بين يدي المصلي قاطعاً لصلاته، ومُنِع المحرِم في الحج من النكاح والمباشرة والأسباب الداعية إلى ذلك، وكذلك الإعتكاف نُهي فيه عن مباشرة زوجه، وكذا الصيام، كل هذا لتخلو العبادات من التعلق بالنساء وصورهن، ويصير تعلّق القلب كله بالله وحده.

كما أن السماع المحدَث دائر بين الكفر والفسوق والعصيان، بل اشتمل على أكثر ما حرّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى قال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33].

فإشتمل هذا السماع على هذه الأمور التي هي قواعد المحرمات، فإن فيه الفواحش الظاهرة والباطنة والإعانة على أسبابها، والإثم، والبغي بغير الحق، والشرك بالله، والقول على الله بلا علمِ ما اللهُ به عليم، فإنه تنوَّعَ، وتفرَّقَ أهله فيه، لكل قومٍ ذوقٌ ومشربٌ يفارقون به غيرهم، حتى في الأشعار والحركات والأذواق، فوقع فيه الإضطراب والإختلاف، وصار أهله من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون.

الكاتب: عبد العزيز بن محمد آل عبداللطيف.

المصدر: موقع طريق الإسلام.